قصة "الرهان" المسلسل الشهير "مرايا"
قصة "الرهان" المسلسل الشهير "مرايا"
فهيم سيداروس
لقد أعجبتني إحدى حلقات المسلسل الشهير "مرايا"
قدّم الممثل السوري القدير ياسر العظمة لوحة بعنوان "الرهان"، المقتبسة عن قصة قصيرة للكاتب الروسي أنطون تشيخوف
في نهاية الرهان يقول ياسر العظمة لصديقه "بشار اسماعيل" :
"صديقي المليونير أسعد لم يكن هدفي عندما استضفتني بسجنك إلا النيل منك ومن ثروتك والحصول على هذا المبلغ الضخم الذي اتفقنا أن تدفعه لي عند انقضاء الخمسة عشر عاماً..
وصبرت في سبيل تحقيق ذلك كثيراً أعواماً طوالاً.
ولكنني وقبل انقضاء الوقت كله بنصف ساعة قررت الإنعتاق من سجني والانطلاق إلى الحياة، فقيراً معدماً، لا أملك من حطام الدنيا قشة واحدة ولا نصير لي فيها ولا معين..
إلا أنني خلال سجني لم أجد مؤنساً لي إلا الكتاب فأقبلت ألتهم الكتب التهاماً وكأنها غذائي وكسائي، طعامي، وشرابي..
حلقت في قراءاتي في غياهب الكون وفي مجاهل الطبيعة وفي مختلف الأمصار والاصقاع.
قرأت التاريخ والجغرافية والفلسفة والطب والعلوم الإنسانية تبحرت في التاريخ قديمه وحديثه، وعجبت من مصائر الدول ومن سطوة الحكام.
وأكبرت بطولة الشعوب، استغرقتني كتب الجغرافيا، فإذا بي أطوف حول العالم وأصعد الجبال وأهبط الوديان وأتأمل صنع الله وأنا قابع في مكاني.
تعلمت سبع لغات أجنبية حية وقرأت بواسطتها معظم التآليف الأجنبية واطلعت على الآداب الإنسانية والعلوم الكونية والروايات الأدبية والفنون العالمية. تعرفت على إبداعات العقل البشري.
أحببت كرهت سافرت حلمت عشت الحياة بكل تفاصيلها وما شعرت يوماً أني مسجون أسير بل حرٌ طليق أتجول كيف أشاء وأطير في أي سماء.
قرأت معظم ما أنتجه العقل البشري قرأت تاريخ الأديان وعرفت الله توحدتُ معه وسبحت بحمده وصرت قريباً منه أكثر، أنا لم أخسر، أنا الرابح بكل تأكيد، لم تعد تهمني ثروتك، وزاد احتقاري للمال إذ هو الغاية، إنني أرثي لك أيها العابد مالًا، وأشكرك لأنك كنت السبب في حصولي على كنوز المعرفة
وداعًا
وليهنأ كلٌ بفوزه ."
كانت هذه الحلقة التي شاهدتها في طفولتي..
لبنة أساس بنت بداخلي قوة عجيبة..
في مواجهة معارك الحياة..
حيث كان الكتاب هو جيشي الأول..
لازالت هذه الحلقة محفورة في عقلي منذ كنت طفلا.. من أجمل حلقات مسلسل مرايا..
قصة الرهان
(بالروسي: Пари) من تأليف الكاتب الروسي الكبير أنطون تشيخوف كتبها سنة 1889..
وهي واحدة من أجمل وأعمق قصصه القصيرة، رغم بساطتها الظاهرية.
لكن لماذا هذه القصة عظيمة ؟
لما حوته من الاختزال
تشيخوف بيقول حاجات كبيرة في كلمات قليلة.
الرمزية
كل شخصية بتمثل بُعد من أبعاد الإنسان.
التحول
بطل القصة بيتحول من شاب مندفع، لرجل حكيم زاهد.
الزمن
القصة بتورينا إزاي الوقت بيشكل الوعي، مش العكس.
القصة:_
في سهرة هادئة، بيتجمع مجموعة من المثقفين عند رجل أعمال غني. وفي وسط الكلام، بيحتد النقاش حوالين:
"أيهما أكثر إنسانية ؟ الإعدام ولا السجن المؤبد ؟"
المعظم شايف إن الإعدام أرحم، لأن السجن الطويل بيعذب الإنسان ببطء.
لكن محامٍ شاب بيقول:
"لا، السجن أرحم. الحياة، حتى لو واهية، أغلى من الموت."
رجل الأعمال بيتريق عليه، ويقول:
"ماحدش يقدر يعيش معزول كده. مستحيل! حتى لو كان بفلوس."
وهنا بيبدأ الرهان...
المحامي يتحدى إنه يعيش 15 سنة كاملة في عزلة تامة داخل حديقة الفيلا، في غرفة محكمة
بدون أي تواصل مع البشر، مقابل مليوني روبل.
الرجل الغني يوافق، ويكتبوا العقد، ويبدأ العزل.
السنين بتعدي، وكل مرحلة بتكشف تطور في شخصية المحامي:
السنين الأولى: بيقرأ بشراهة روايات، مسرح، أدب، موسيقى، حتى اللغات.
في المنتصف: بيغوص في الدين، الفلسفة، واللاهوت.
في الآخر: بيوصل لحالة من الزهد، ويدرك تفاهة الحياة المادية.
قبل نهاية الـ15 سنة بساعات..
بيكتب المحامي الشاب خطاب بيقول فيه:
"أنا لا أريد شيئًا من هذا العالم. لقد عرفت أن كل شيء زائل: المال، المجد، اللذة، وحتى الحكمة. لقد احتقرت هذه الحياة البشرية... ولذلك، أتنازل عن الجائزة، وأغادر قبل الموعد."
وفعلًا، بيخرج من العزلة قبل الموعد بلحظات.
معاني ودلالات القصة:
الرهان الظاهري كان على المال، لكن الرهان الحقيقي كان على معنى الحياة.
المحامي وهو شاب، كان متحمسًا لإثبات رأيه... لكن السنين علمته إن العزلة مش عقوبة، بل طريق للتحرر.
رجل الأعمال، رغم قوته وغناه، كان مستعد يقتل أو يخسر فقط علشان ما يدفعش.. المال أفسد قلبه.
المحامي خرج "خاسر الرهان" قانونًا، لكنه "رابح الحقيقة" إنسانيًا وروحيًا.
تعليقات
إرسال تعليق