من سلبيات رئيس
من سلبيات رئيس
فهيم سيداروس
خرج الرئيس محمد نجيب من مكتبه في هدوء وصمت، حاملاً المصحف، متوجهًا في سيارة إلى معتقل المرج.
ويقول نجيب في مذكراته:
"جاءني عبد الحكيم عامر وقال لي في خجل: إن مجلس قيادة الثورة قرر إعفاءكم من منصب رئاسة الجمهورية.
فقلت له: أنا لا أستقيل الآن، لأنني بذلك سأصبح مسئولًا أمام التاريخ عن ضياع السودان. أما إذا كان الأمر إقـ..الة فمرحبًا."
وأقسم اللواء عبد الحكيم عامر أن إقامته في فيلا زينب الوكيل بالمرج لن تزيد عن بضعة أيام، يعود بعدها إلى بيته، لكن محمد نجيب لم يخرج منها إلا بعد 30 عامًا كاملة!
خرج نجيب من مكتبه بلا تحية عسكرية، بلا بروجي، وقارن بين وداعه البائس، وبين وداع الملك فاروق الذي أطلقت له 21 طلقة مدفعية وعُزف السلام الملكي.
وعندما وصل إلى الفيلا بدأ يذوق أصناف العذاب:
سارع الجنود بقطف ثمار البرتقال واليوسفي من الحديقة.
حملوا ما بالفيلا من أثاث وسجاجيد ولوحات وتحف، وتركوا المكان عاري الجدران.
صادروا أوراقه وتحفه ونياشينه وأمواله الخاصة.
منعوه تمامًا من الخروج أو مقابلة أحد، حتى عائلته.
أقيمت حول الفيلا حراسة مشددة، وكان عليه أن يغلق النوافذ في عز الصيف تجنّبًا للصداع الذي يسببه الجنود.
🕯️ غرفته كانت مهملة، لا تحوي إلا سريرًا متواضعًا يغطيه ركام من الكتب. وكان يقضي معظم أوقاته بين الصلاة، وقراءة القرآن، ومطالعة كتب الطب والفلك والتاريخ.
وقال نجيب: "هذا ما تبقى لي، فخلال الثلاثين سنة الماضية لم يكن أمامي إلا أن أصلي أو أقرأ القرآن أو أتصفح الكتب."
ثم يتساءل في مذكراته:
"ماذا فعلت ليفعلوا بي كل هذا؟!
إنني يوم ودعت الملك فاروق – الذي أُنهكت في عهده الحرمات وحل الفساد محل النقاء – كنت حريصًا أن يكون وداعه وداعًا رسميًا، مشمولًا بكل مظاهر التكريم. سمحت له أن يأخذ أشياءه الخاصة، وتركت الوزراء والسفراء يودعونه، وأمرت أن تطلق المدفعية 21 طلقة، وأن تُعزف الموسيقى السلام الوطني، لينزل الملك في غاية الوقار إلى اليخت المحروسة.
أما أنا، فلم يحافظ جـمال عبد الناصر لا على التقاليد ولا على الأصول. تعاملوا معي وكأني لـ.ص أو مجـ.رم أو شرير.
لم يتصل بي عبد الناصر، لم يقل لي كلمة واحدة، لم يشرحوا لي ما حدث، لم يحترموا سني ولا مركزي ولا رتبتي، وألقوا بي في أيدٍ لا ترحم وقلوب لا تحس، وبشر تتعفف الحيـ.وانات عن الانتساب إليهم."
ويختم نجيب:
"ما أقسى المقارنة بيني وبين فاروق عند لحظات النهاية والوداع:
ودعناه بالاحترام… وودعوني بالإهـ..انة.
ودعناه بالسلام الملكي والموسيقى… وودعوني بالصمت والاعتقال.
إن أصعب شيء على المرء أن يكتب عن آلامه الخاصة، لكنني هنا لا أكتب عن قضية شخصية، بل عن أسلوب الثورة في التعامل مع رجالها، عن قضية الحريات، وعن تحطيم كرامة الإنسان المصري. فإذا كان هذا ما حدث معي، وحدث مع العديد من رجال الثورة، فماذا حدث مع الآخرين؟!"
من مذكرات الرئيس محمد نجيب: "كنت رئيسًا لمصر"
تعليقات
إرسال تعليق