أخبرني أيها الحب، من أنت؟
أخبرني أيها الحب، من أنت؟
فوزي عبد المسيح
هل أنت راحةٌ للتعابى، أم أنت هوسٌ من السماء لا يدركه إلا من اختبره؟
لماذا كل من عرفك تألم، سواء أحبك أم اختلف معك؟
ولماذا سُمِّي الحب بالعشق؟ هل لأنه يفقد صاحبه القدرة على التفكير، فيجعل القلب هو السيد المطلق؟
هل الحب فعلًا أعمى، أم أنه هبة إلهية نادرة، تجمّل العيوب فلا يرى العاشق إلا ما يستهويه؟
أيها الحب، أخبرني…
هل أنت لحظة انطلاق الروح نحو السماء، أم نار تحرق من اقترب منها؟
هل أنت شرود الفكر والمشاعر، أم سهر الليل الذي لا يهدأ فيه القلب ولا تنطفئ فيه الذكريات؟
هل أنت ذاك الذي يجمع القلوب ثم يذيقها مرارة الفراق؟
لماذا كل من عرفك صمت عن الكلام؟
ولماذا تعجز الحروف عن وصفك، وكأنك لغزٌ أزلي لم يستطع أحد أن يحله؟
قصتي معك…
وُلدتُ في قريةٍ من قرى الصعيد، في بيت بسيط، حيث كانت الأحلام تسبح في الأفق كأنها نجومٌ بعيدة المنال. كأي شابٍ يحلم بمستقبل مشرق، كنت أرسم في خيالي صورة الحياة التي أتمناها، لكنها لم تكن يومًا واضحة، حتى جاء ذلك اليوم الذي تغير فيه كل شيء.
في أحد الأيام، كنت جالسًا في غرفتي، وحلّ عليّ نعاسٌ مفاجئ، فرأيت في حلمي فتاةً جميلة، لم أرَ مثلها من قبل، وكأنها نازلةٌ من السماء. استيقظتُ، وظلّ وجهها محفورًا في ذاكرتي، رغم أنني لم أكن أعرف من تكون.
مرت ثلاث سنوات، وغادرتُ قريتي متجهًا إلى القاهرة، باحثًا عن فرصةٍ جديدة في الحياة. بعد شهور قليلة، اتصلت بي إحدى قريباتي وطلبت مني مساعدتها في العثور على وظيفة، ثم اعتذرت لاحقًا وأخبرتني أنها سترسل صديقتها بدلًا منها.
وفي ذلك اليوم، حين دخلت تلك الفتاة إلى الشركة، وقعت عيناي عليها… وكان قلبي أسرع من عقلي في التعرف عليها!
إنها هي! الوجه ذاته الذي رأيته في حلمي منذ سنوات، وكأن القدر يعيد إليّ المشهد الذي لم أفهمه حينها.
مرت الأيام، ونشأت بيننا صداقة، تحولت تدريجيًا إلى مشاعر أعمق، كأن شيئًا غير مرئي كان يدفعنا إلى بعضنا البعض. كنا نلتقي في العمل كل يوم، نتحاور، نضحك، نتشارك التفاصيل الصغيرة التي لم يكن يدرك الآخرون معناها، لكنها كانت تعني لنا الكثير.
لكن السعادة لا تدوم طويلًا، فكما أن الحب قد يأتي فجأة، فقد تأتي العواصف معه دون سابق إنذار.
الاختبار الأول للحب
كان شقيق صاحب الشركة رجلاً اعتاد أن يحصل على ما يريد، ولسببٍ ما، قرر أن تكون هي هدفه التالي. حاول التقرب منها مرارًا، لكنها صدّته بحزم، فكان ذلك كافيًا ليشعل في قلبه رغبةً في الانتقام.
بدأت المضايقات تزداد، ومحاولاته للتفريق بيننا لم تتوقف، حتى تحوّلت الشركة إلى ساحة معركة غير معلنة. لم يكن أمامي خيارٌ سوى الانسحاب، فتركتُ عملي وعدتُ إلى بلدتي، محاولًا إقناع نفسي بأن البعد قد يكون الحل.
لكني لم أستطع نسيانها.
سنوات الفراق… واللقاء من جديد
مرّ عامان، وحدثت خلافات كبيرة بين أصحاب الشركة، فتمزقت الشراكات، وتغيّرت الأحوال. لم أكن أتوقع أن أتلقى اتصالًا منهم، يطلبون مني العودة لإدارة الشركة من جديد.
عدتُ، لكن في داخلي شعورٌ غريب… كنت أشعر أن شيئًا ناقصًا، كأن روحي لم تكتمل بعد. لم يكن العمل ما أبحث عنه، بل كنت أبحث عنها، عن تلك التي تركتها مرغَمًا.
بحثتُ عنها طويلًا، في كل الأماكن التي اعتدت أن أجدها فيها، لكن دون جدوى. ظلّت الأيام تمرّ بطيئة، كأنها تعاقبني على اختياري للرحيل.
وبعد عامين آخرين، وجدتُها أخيرًا… لكني وجدتها برفقة صديقي.
وقفتُ أمامهما، وكأن الزمن توقّف للحظات. كانت تبتسم له كما كانت تبتسم لي يومًا، وكانت عيناها تحمل ذات البريق، لكن ليس لي هذه المرة.
وهنا سألت الحب:
• هل كنتُ حقًا أعيش حبًا، أم كانت مجرد لحظة عابرة؟
• هل كان اختياري خطأً منذ البداية؟
• أم أن الحب خذلني، كما يخذل الكثيرين؟
لم أجد جوابًا، سوى أنني عدتُ إلى غرفتي، وجلستُ هناك طويلًا.
تأملتُ الذكريات، وأدركتُ الحقيقة التي لم أكن مستعدًا لقبولها… لم يكن ذلك حبًا، بل كان مجرد حلم، حلمٌ جميلٌ لكنه لم يكتب له أن يصبح واقعًا.
تعليقات
إرسال تعليق