أعتراضات مشروعة على مواد جوهرية في قانون الإجراءات الجنائية الجديد

أعتراضات مشروعة على مواد جوهرية في قانون الإجراءات الجنائية الجديد

✍️ بقلم: محمد طلعت – المحامي

في إطار سعي الدولة لتطوير المنظومة العدلية وتعزيز فاعلية الإجراءات الجنائية، جاءت مسودة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد لتعيد تشكيل عدد من المفاهيم القانونية التي تمس صميم العدالة. وبينما نثمّن هذا الجهد التشريعي، إلا أن بعض المواد المقترحة تستحق التوقف والتدقيق، لما تحمله من آثار قانونية قد تخل بالتوازن الدقيق بين سلطات التحقيق وضمانات الحريات العامة.

وفيما يلي أبرز المواد المعترض عليها، مع بيان الأسباب القانونية والواقعية التي تستدعي إعادة النظر فيها:

🔹 المادة السادسة من مواد إصدار القانون:

تنص على أن يتم العمل بالقانون في أول العام القضائي التالي لنشره. ورغم أن هذه الصيغة تهدف إلى إتاحة الوقت أمام الهيئات القضائية لترتيب أوضاعها، إلا أن هذا التأجيل قد يُستغل لتجميد القانون فعلياً، ويعطل الفائدة المرجوة منه في تحقيق العدالة الناجزة.

🔹 المادة (48):

تُعرف حالات “الخطر” التي تبرر دخول المنازل وتفتيشها. لكن ترك هذا التقدير للسلطة التنفيذية دون معايير محكمة قد يؤدي إلى انتهاك حرمة الحياة الخاصة، وهو ما يُعد تجاوزًا للمادة 58 من الدستور التي تكفل حماية المسكن من التفتيش إلا بأمر قضائي مسبب.

🔹 المادة (105):

تتعارض مع المادة (64) من قانون الإجراءات الجنائية القائم، من حيث التوازن بين حق الدفاع وسلطات التحقيق. إدخال قيود أو إغفال ضمانات المتهم قد يخل بمبدأ المحاكمة العادلة المنصوص عليه في الدستور.

🔹 المادة (112):

تنص على تحديد مدة لإيداع المتهم في مراكز الإصلاح والتأهيل بعد صدور أمر قضائي. والخشية هنا أن يتحول هذا الإجراء إلى وسيلة غير مباشرة لإطالة أمد الحبس دون ضوابط صارمة، ما يخالف روح العدالة.

🔹 المادة (114):

تستحدث مزيدًا من التدابير الاحترازية كبدائل للحبس الاحتياطي. ورغم أن هذه خطوة تقدمية ظاهريًا، إلا أن المبالغة في تطبيقها قد تفتح الباب أمام إجراءات مقيدة للحرية دون رقابة كافية.

🔹 المادة (123):

تُلزم بعرض القضية التي يُحبس المتهم على ذمتها احتياطيًا على النائب العام دوريًا. هذه الصيغة، وإن كانت تهدف إلى مراجعة قانونية دورية، إلا أنها قد تُثقل كاهل النيابة وتؤخر سير القضايا، دون أن تحقق فاعلية حقيقية في الرقابة على الحبس الاحتياطي.

🔹 المادة (231):

تتيح العودة للإعلان التقليدي حال تعطل مركز الإعلانات الهاتفية. وهذا يشكّل تراجعًا عن التوجه نحو التحول الرقمي، ويفتح الباب أمام التلاعب بالإعلانات وما يترتب عليها من إشكالات قانونية.

🔹 المادة (411):

تتعارض مع المادتين (96) و(98) من الدستور، حيث قد تُقيد مبدأ أصل البراءة وحق الدفاع. ويعد أي إخلال بهذين الحقين تهديدًا لركائز العدالة الجنائية في الدولة الحديثة.


في الختام:

نحن أمام لحظة تشريعية فارقة، تتطلب أن يصغى المشرّع جيدًا إلى الأصوات القانونية والمجتمعية المعنية بتطبيق القانون يوميًا. لا خلاف على ضرورة تحديث قانون الإجراءات الجنائية، لكن هذا التحديث يجب أن يتم دون المساس بالضمانات الدستورية للحقوق والحريات.

✒️ محمد طلعت
محامٍ بالنقض – باحث في القانون الجنائي@

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إستغاثات من معلمي و معلمات مدرسة ابو الهول القومية المشتركه‏ بمحافظة الجيزة

إستغاثة إتحاد طلاب مدارس المتفوقين في العلوم والتكنولوجيا (STEM)

الحلقة الأولي من صرخة مهندس